عجيب أنك صديق لشخصين لا يلتقيان، رفيق لطرفين لا يجتمعان، حبيب لقلبين
يكرهان بعضهما البعض. ترى نفسك تنسجم مع الطرفين المتضادين، تتواصل مع
أحدهما ساعات، ثم تتواصل مع الآخر ساعات أخرى. فتحتار بينهما، وأحياناً
يتفطر قلبك لأجلهما، وتريد أن تفعل شيئاً لهما، أي شيء! لا تدري ما هو،
لكنك تريد شيئاً يجعل العلاقة تنساب بينهما، إذ أن كليهما صديقك، ويحز في
نفسك أن يأخذ أحدهما موقفاً معادياً من الآخر.
كيف تصلح بين اثنين
قبلأن تقدم على الإصلاح بين أطراف متخاصمة، لا بد لك من أن تمتلك مهارات
تخوّلك هذه المهمة. وكونك رغبت نظرياً بالإصلاح، فلا بد أن شخصيتك تحمل في
طبيعتها أصلاً ملكاتٍ تجعلها أهلاً له. إنك إن أردت أن تسير قدماً في
خطوات الإصلاح عليك أن تكون شخصاً واسع الصدر، محبوباً وموثوقاً بين
الأفراد، مستمعاً جيداً، يتّسم أسلوبك بالحكمة. وعليك أن تكون عادلاً
أميناً تتحرى الإنصاف بين الأطراف، ولو كنت -ضمنياً- تميل لأحدهم دون
الآخر.
خطوات الإصلاح عندما تدرك أن هناك
تماساً ما بين صديقين من أصدقائك، وتكون مستعداً للإصلاح بالمهارات
السابقة الذكر، سيكون عليك أن تتبع الخطوات التالية كي تسير في عملية
الصلح:
- الاستماع من كل فرد على حدة.
- التوصل إلى نقاط تلاق بين الطرفين.
- الاجتماع مع الأطراف المتخاصمة.
الخطوة الأولى: الاستماع من كل فرد على حدة
المرحلة الأولى وهي
تعني أن تقوم بجلسات فردية مع كل طرف على حدة. وفي البداية عليك أن
تستعمل ذكاءك. لأنك ستدخل برقة وبلطف وبأسلوب عفوي. وإلا قد يكون رفض
التدخل احتمالاً وارداً جداً. اختر الطرف الأكثر ميلاً للإصلاح،
واختر اللحظة التي تبدو فيها الحاجة ملحة لتدخل طرف في الخلاف، ثم اختر
الكلمة التي ستدخل فيها بذكاء. اجعلها كلمة تعبّر عن مشاعر صديقك الذي
تتحدّث معه ليثق بك، وليدرك أنك تفهمه وتفهم الإشكال. كأن تبدأ بقولك:
أفهم كم أنت متضايق من هذا الوضع!
إنك بمجرد أن تقول مثل هذا الكلام ستجد صديقك يعبّر عن مشكلته
بدون توقف. وهنا يتوجب عليك الاستماع، ثم الاستماع، وبعد ذلك يتوجب عليك
أيضاً الاستماع! وليس الاستماع فقط، وإنما عليك أن تبدي تعاطفاً معه وأن
تستعمل كلمات تعبّر له عن تفهّمك كأن تقول: أوووووووووه! بالله عليك؟؟ كيف
حدث هذا؟ هذا فعلاً صعب! معقول؟ لا بد أن هذه المشاكل قد أرهقتك جداً!
وإضافة إلى هذه العبارات التعبيرية، عليك أن تشارك صديقك خياله في أن
تتمنى معه ما يتمناه، ولو كان خيالياً. كأن تقول لموظف قد سئم معاملة
مديره: ياريت لو كانت الوظائف بدون مدراء! إنك بعد أن تصغي تمام
الإصغاء للطرف الأول، ستجده سيبدأ بالتحدث، والتحدث، والتحدث. وأنت أثناء
ذلك ستستعمل التقنيات السابقة الذكر، وبعد مضي دقائق، وربما ساعات على هذا
النحو، ستجده قد هدأ، هدأ تماماً، كبركان انفجر ثم انتهى! وهنا خذ نفساً
عميقاً واسأله:
"هل تتمنى أن تحل هذه المشكلة؟" سيجيبك:
"إن المشكلة لا حلّ لها!" وتقول له أنت: "طبعاً لا حلّ لها إلا إذا تم تقديم تنازلات، فهل أنت مستعد لتقديم تنازلات لكل تحل المشكلة؟"
"لا مانع، بشرط أن يكف الطرف الآخر عن ... وعن... وعن....." "هل تستطيع تضييق الأشياء التي تزعجك من الآخر إلى أضيق حد؟"
"حسناً، يكفيني ألا يفعل كذا ... وكذا ... " طبعاً إن هذا السيناريو افتراضي، ولكن مفاده هو أن الجلسة مع الطرف الأول يجب أن تنتهي إلى الخلاصة التالية:
- إعلان الرغبة بإنهاء المشكلة.
- قبول مبدأ تقديم التنازلات.
- تحديد النقاط الغير محتملة من الطرف الآخر واختصارها قدر المستطاع، على ألا تتضمن طلبات مستحيلة كتغيير سمات شخصية لدى الطرف الآخر.
المرحلة الثانية وهي
تشبه الخطوة السابقة تماماً، ولكن الجلسات ستكون مع الطرف الآخر. ولابد أن
خبرتك هذه المرة ستكون أفضل بكثير، وستحقق النتائج المرجوة ذاتها بشكل
أسرع. وقد تحتار فيما تقول للطرف الثاني أن الطرف الأول قد شرح لك بعض
تفاصيل الخلاف أم لا؟ والحقيقة أن هذا الموضوع يرجع لشخصية الطرف الثاني،
وستكون معرفتك به وبشخصيته دليلاً لك في ذلك.
الخطوة الثانية: التوصل إلى نقاط تلاق بين الطرفين بعد
أن أنهيت مرحلة الجلسات الفردية، سيصبح الوقت مناسباً للخطوة الثانية.
وهنا سنستعمل أسلوباً إدارياً استخدم حديثاً في حل النزاع وهو أسلوب مربع
اتفاق. ففي موقف الخلاف يتخذ الطرفان موقفين متضادين تماماً بعيدين عن أي
حل:
وفي العادة يكون الحل الذي سيرضاه كل طرف وسطاً بين ما يرغبه فعلياً وما يمكنه قبوله
وعندما يتداخل الموقفان نحصل على مربع الاتفاق
وسيكون
دورك هنا الحصول على مربع الاتفاق بالتراضي بين الطرفين. وإن أي اتفاق بين
الطرفين في مربع الاتفاق هذا سوف يكون مقبولاً. علماً بأنك ستقوم بالحصول
على مربع الاتفاق بالقيام بجلسات متعددة تعمل فيها عمل الوسيط الذي يقرّب
ويسادد وجهات النظر قدر المستطاع.
الخطوة الثالثة: الاجتماع مع الأطراف المتخاصمة وبعد
أن توصّلت - من خلال مربع الاتفاق - لتسويات ترضي الطرفين المتخاصمين،
عليك أن تجتمع بهما لكي تحسم هذه التسوية. وهذه هي الخطوة الحساسة الدقيقة
التي قد تهوي لسبب تافه، وهنا ليس عليك إلا أن تتوجه لله بإخلاص لكي يجعل
هذه الخطوة تمرّ بسلام، مع ضرورة مراعاة الأمور التالية:
- اعقد الاجتماع في مكان محايد، في بيتك أو في مكان عام.
- ابدأ الجلسة بتقديم اعتبارات هامة هي:
- إن هذه الجلسة معقودة لأجل الصلح، لأجل العيش بسلام ، لأجل أن نخزي إبليس اللعين الذي يريدنا تعساء متنازعين فيما بيننا.
- التأكيد على مبدأ التنازل، وتعزيز مواقف التنازلات التي تمّت منذ بدء محاولات الصلح حتى هذه اللحظة.
- حاول أن تكون عباراتك مختصرة ومنتقاة جداً.
- صغ المشكلة الحاصلة بين الشخصين بأسلوبك من وجهة نظر كل طرف. وتأكد من أنها تعبّر عن رأي صاحبها.
- احرص
على تجنيب الطرفين الخوض في تفاصيل الخلافات التي سبق وسمعْتها كاملة في
الجلسات الفردية. إن هذه التفاصيل إن طرحتْ في هذا اللقاء، ستفجّر المشاكل
من جديد.
- اطرح الحلول التي توصلتَ إليها مع الأطراف في مربع الاتفاق.
- تأكد أن الحلول مرضية وأوصلت الطرفين لسلامة الصدر فيما بينهما وأن جلسة الصلح أثمرت.
- اختم موضوع الصلح بأن الطرفين كانا أهلاً لذلك، و حاول أن تكون منصفاً وعادلاً في عبارات التعزيز والمديح للطرفين قدر المستطاع.
- اعتبر
موضوع الخلاف والصلح منتهياً وأكمل الجلسة كزيارة عادية بين أصدقاء
يتحدثون فيها عن أمور عامة جداً بعيدة عن ظروف الاختلاف والنزاع التي كانت
بينهما.
ماذا بعد الصلح لن
ينهأ للشيطان بال بعد إنجاز الصلح! ولذلك عليك تعزيز الصلح بإعلانه في يوم
عاجل وقريب تدعو فيها الأصدقاء والمعارف لكي يُعلن لهم فيه فضُّ النزاع،
وبالتالي تكون خطوة العودة إلى النزاع أصعب على الطرفين.
نصائح عابرة وهامة
- إن
بعض مستويات الخلاف بين الناس تكون عميقة لدرجة يكون الصلح الكامل فيها
وعودة المياه إلى مجاريها أمراً مستحيلاً. لا تضغط كثيرا في هذه الحالة،
واعتبر أن مجرد سلامة الصدر بين الطرفين والكف عن الأذى هي حد ممتاز إن
حصلت عليه!
- احرص على حفظ الأسرار التي عرفْتَها أثناء الخلاف. وإياك أن يُغريك أيّ موقف بإفشائها يوماً ما.
- تحلّ
بالحكمة أثناء فض النزاع، وانتبه! فليست كل المعلومات التي عرفْتها من طرف
يجب أن تُنقَل بحرفية تامة للطرف الآخر، وإلا لن تجدي محاولاتك نفعاً،
وربما على العكس.
- تذكر أن الشيطان ضد الصلح قطعاً، لذلك لن يفتأ يضع لك عوائق لمشروع إصلاحك.. لا تستسلم له!
- وأخيراً .. قد تبذل جهوداً جادة وضخمة ولا يكتب لها النجاح!
لا تحزن! فلن يضيع الله لك محاولاتك، ويكفيك في ذلك شرف النية والمحاولة.